لا بد أن سبق لك ورأيت الـ(تشينديغو)، تلك الاختراعات اليابانيّة الغريبة
والمصممة لأداء عمل معين بالرغم من كونها غير عملية في الاستخدام وغير
أنيقة في التصميم، حتى أنها في بعض الأحيان بحلّها لمشكلة معين تخلّف مشاكل
عديدة غيرها.
حد هذه الاختراعات عيدان الأكل ذات المراوح التي تستخدم لتبريد المعكرونة
في طريقها للفم، ومثال آخر هو النظارات ذات الأقماع المصممة لتسهيل عملية
التقطير في العين، وهناك أيضاً آلة التصوير ذات المظلات الصغيرة لالتقاط
الصور في الأجواء الماطرة، وأخيراً وليس آخراً غطاس المراحيض ذو المقبض
الذي يمكن تثبيته في أسقف وسائل النقل العمومية في أوقات الازدحام ليتشبث
به الشخص الواقف.
مبرّد المعكرونة: بالنسبة لاستراحة الغداء القصيرة، فإن
تناول المعكرونة الآسيوية المغموسة في الحساء المغلي والساخن غالباً ما
يكون تحديا صعبا، هذه العصي المجهزة بمروحة سوف تقصر الوقت اللازم.
لا يوجد شيء متعب في المنزل أكثر من الأطفال، فهم يحتاجون إلى طعام ومأوى
ولا يقدمون شيئًا في المقابل. حان الوقت لتحويل هذا الأمر لصالحك، حيث
ستقوم ممسحة الطفل هذه بتحويل طفلك الصغير إلى آلة تنظيف مفيدة.
الكاميرا ذات المظلة: أخيرا، يمكنك أن تأخذ الكاميرا خاصتك إلى الحديقة المائية.
قبعة كاميرا بزاوية 360 درجة لالتقاط صور بانورامية: إذا
كنت ترغب في الحفاظ على ذكريات الأعياد فإن الصورة الكلاسيكية لا تسمح لك
بالانغماس التام في الجو. الآن، بلمسة واحدة، يمكنك التقاط صورة بانورامية
فورية 360 درجة.
يقول (كينجي كواكامي)، وهو أول من أطلق مصطلح (تشينديغو) على تلك
الاختراعات، أن هذه الأدوات هي أشبه بالثورة الصناعية التي جرت في بريطانيا
ويوضح: ”في حين أنّ معظم الاختراعات وجدت لجعل الحياة أسهل فإنّ
(التشينديغو) تتميّز بمساوئها العديدة ما يمنع مخترعيها من بيعها، وهكذا
فهي عبارة عن مخلفّات الإختراعات“، في الحقيقة إنّ (التشينديغو) ليست مفيدة
بالضرورة ولكنها ليست عديمة الفائدة تماماً وهكذا فإن (كواكامي) يفضل أن
يصفها بأنها: ”ليست غير مفيدة“.
كيف بدأ الأمر؟
بدأ
(كواكامي) بصنع هذه البِدع منذ ثلاثين عاماً حينما كان يعمل كمحرر لمجلة
تسّوق يابانيّة مشهورة تدعى (تسوهان سيكاتو)، وقد كان توجّه هذه المجلة
منصباً على احتياجات ربات المنازل المحبات للتسوق، واللواتي كنّ يقطنّ في
الأرياف.
بقي لدى (كواكامي) في إحدى المرات عددٌ من الصفحات الفارغة
التي كان يجب عليه أن يملأها قبل موعد صدور المجلة، وهكذا قرر أن يضع نماذج
لأشياء غريبة لا يعقل أن يشتريها القارئ لكنها ستكون كافية لسدّ النقص في
المجلة.
النظارة ذات الأقماع: يعلم الجميع أن 50٪ من هذا الدواء الثمين ينتهي به
المطاف على الخدين، أما الآن فيمكنك إسقاط أي سائل في عينيك بدقة تصل إلى
100٪.
حذاء المكنسة: التنقل والإتيان بالمكنسة من الخزانة لتنظيف كمية قليلة من
الغبار هو ألم حقيقي، والانحناء لاستخدام المكنسة اليدوية يمكن أن يكون
صعبا بالنسبة لكبار السن. هذا الشيء سوف يحل تلك المشاكل إلى الأبد،
استخدام إحدى القدمين للكنس والآخرى للجمع.
مطريات للأحذيّة: لا داعي للقلق بشأن الجوارب المبللة منذ اليوم.
إن عصا السيلفي هذه مصنفة كاختراع غير مفيد في كتاب (كواكامي) للـ(تشينديغو)، والذي نشر في منتصف التسعينات.
أحد أول الاختراعات التي وضِعت في المجلة كانت النظارة ذات الأقماع التي
زعم (كواكامي) بأنه كان يستخدمها بنفسه في ترطيب عينيه ومنع الدواء من
التسرب على وجهه.
واحدٌ آخر من تلك الاختراعات العجيبة هو المصباح
اليدوي الذي يعمل بالطاقة الشمسية، والذي يتضمّن لوحاً شمسيّاً ضخماً صنعه
(كواكامي) بنفسه، ولكن على عكس المصابيح المماثلة والموجودة في الأسواق فإن
هذا المصباح لا يأتي مع بطاريات قابلة للشحن، بل يحتاج لضوء الشمس المباشر
حتى يعمل! ما يجعله غير قابل للاستخدام في الليل، وبالتالي فهو عديم
الفائدة تماماً.
الأمر المُفاجئ هو أنّ هذه الأدوات أصبحت مشهورة
ومطلوبة جداً ما أجبر (كواكامي) على إيجاد المزيد من الأفكار بهدف تسلية
قرّائه، وعلى مر السنين أوجد إيضاً الوصايا العشرة للـ(تشينديغو)، وهي
كالآتي:
1. لا يمكن أن يكون للـ(تشينديغو) استخدام حقيقي:
يجب
أن تكون هذه الاختراعات من الناحية العملية بلا فائدة، يقول (كواكامي):
”إن اخترعتَ شيئاً وتبيّن أن له فائدة حقيقية وبأنه بإمكانك استخدامه بشكل
عملي، إذاً فقد فشلت في صناعة (تشينديغو)“.
2. يجب أن يكون (التشينديغو) شيئاً ملموساً:
يجب أن يكون للاختراع نسخة مادية حتى وإن لم تكن تنوي استخدامه.
3. لابد من وجود روح الفوضى في صنع (التشينديغو):
يجب أن يكسر (التشينديغو) القيود التي تُلزم الاختراعات بأن تكون مفيدة، فهو يمثل حريّة الفكر والعمل.
4. يجب أن يُصمم (التشينديغو) للاستخدام اليومي:
يجب أن تكون هذه الاختراعات مفيدة –بالأحرى غير مفيدة– للاستعمال اليومي في أي مكان على سطح الأرض.
5. (التشينديغو) ليس للبيع:
يؤكد (كواكامي): ”إن تقاضيت أجراً مقابل اختراعك فقد سلبته روحه ونقاءه“.
6. الدعابة هي الهدف الأساسي لصنع (التشينديغو):
إنّ روح (التشينديغو) تأتي من كونها أوجدت للفكاهة، فالفكاهة هي الطريقة الوحيدة لإيجاد حل غير واقعي وغير منطقي لمشكلة ما.
7. لا يجب أن يُروّج (التشينديغو) لفكرٍ معيّن:
يجب أن يبقى (التشينديغو) بريئاً، وليس من المفترض اختراعه كشيء لإثارة السخرية من موضوع معين.
8. لا يجب أن لا يكون (التشينديغو) شيئاً محرماً:
يجب أن تلتزم هذه الأدوات بمعايير المجتمع الأساسية وأن لا تكون شيئاً ممنوعاً.
9. لا يجب الحصول على براءة اختراع للـ(تشينديغو):
ليس من المفترض أن يُحتفظ بحقوق ملكيتها أو أن تُسجّل براءة اختراعها، كما لا يجب حيازة ملكيتها أو تجميعها.
10. (التشينديغو) للجميع:
يجب أن يحصل الجميع على فرص متساوية للاستمتاع بكل قطعة من (التشينديغو).
طبقاً
لمقال نُشر عام 2001 في جريدة (التايمز) اليابانيّة، فإن (كاواكامي) قد
صنع أكثر من 600 (تشينديغو) منذ أن بدأ هذه المسيرة، ولكنه وبالرغم من ذلك،
لا يملك حقوق أيٍ من تلك الأدوات، فهو لم يُسجل ملكيته لأيٍ منها، وكذلك
لم يجنٍ فلساً واحداً من عمله هذا، ويؤكد: ”إنني أكّن للماديّة كُرهاً
عميقاً، ويزعجني أن يتم تحويل كل شيء لسلعٍ يمكن أن تُباع وتُشترى“، ويضيف:
”إن حقيقة أن يتم تسجيل ملكية شيء لشخص واحد على الرغم من أنه يجب أن
ينتمي للجميع يثير حنقي، لم يسبق لي أن سجلت حقوقاً لأي من اختراعاتي ولن
أفعل ذلك في المستقبل لأنّ عالم حقوق الملكية قذر ومليء بالطمع والمنافسة“.
لكن
روح المشاركة التي يتمتع بها (كواكامي) لم تمنع الآخرين من سرقة أفكاره،
فأحد اختراعاته، وهو ”النعل ذو الوجهين“ يباع في إحدى أشهر سلاسل المحلات
اليابانيّة، يعلّق (كواكامي) على الموضوع قائلاً: ”إن بعض الأشخاص عديمو
المبادئ، وسيفعلون أيّ شيء للحصول على المال“.
ما
بدأ كمزحة أصبح يُمارس الآن من قبل أكثر من 10000 شخص حول العالم، ولكن
الكثيرين لا يأخذون (كواكامي) على محمل الجدية وهو ما يؤرقه كثيراً، وذلك
بالرغم من عالميّة اختراعاته وهدفها النبيل في امتاع الناس، فيقول متحسراً:
”ينظر الناس لي في أوروبا كفنان، وأوصف بأنني عالم في كندا وأستراليا،
ويتساءل الناس في الصين لم لا أتقاضى نقوداً مقابل اختراعاتي، لكنني أعدّ
صانعاً لأغراض الحفلات في اليابان وأمريكا“.
المزيد من الشينديغو:
نتمنى مشاركة الموضوع في صفحات التواصل